-A +A
أسامة يماني
السخط والتنديد العالمي من قرار حكومة طالبان بمنع النساء من مواصلة تعليمهن الجامعي في نظري ليس حلاً للمشكلة، وإنما رفضاً لمثل هذه الممارسات البغيضة. إن التنديد والشجب والمقاطعة وفرض الحصار في نظري لن يأتي بنتيجة إيجابية. وقد يكون غرض طالبان من هذه الممارسات عزل أفغانستان عن بقية العالم. فالجاهل يخاف من الاحتكاك والانفتاح على العالم. ولقد صدق أمين عام الأمم المتحدة عندما قال إن قرار طالبان بمنع النساء من التعليم الجامعي سيكون له «تأثير مدمر» على مستقبل أفغانستان.

لا شك أن هذا القرار الجائر الذي يمنع النساء من التعليم والعمل اعتداء على المجتمع كله وليس نصفه كما يقول البعض؛ لأن المجتمع ما هو إلا مجموعة من الناس تعيش سوية في شكل منظّم وضمن جماعة منظمة ولا يمكن أن يكون مجتمعاً إلا بجميع عناصره.


إن قرار حكومة طالبان بمنع النساء من التعليم والاختلاط نتاج قناعة من قبل المتشددين في حكومة طالبان وظناً منهم أنهم ينتهجون الطريق السليم ويتبعون الشريعة الإسلامية التي فهموها من فقهاء في نظرهم هم المرجع في أحكام الشريعة والفقه الإسلامي. فالمشكلة تكمن في الفقه الذي أنتجه البشر في فترة زمنية سابقة ليست من فترات الازدهار والتقدم التي عاشتها الأمة الإسلامية، وقد كان يتماشى مع حاجاتهم وآليات زمانهم ومعرفيتهم وأوضاعهم الاقتصادية والحياتية. إن سبب رواج هذا الفكر المتعصب هو اختلاطه بالتقاليد وبما ألف البعض سماعه من مفاهيم مغلوطة ومعلومات مضللة، وخاصة أن المحدثين والرواة المتأخرين سعوا إلى طمس وإخفاء حياة الأوائل في عصور البعثة والخلافة والدولة الأموية وأوج العهد العباسي.

لقد أحسنت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء عندما دعت حكومة تصريف الأعمال الأفغانية إلى تمكين المرأة الأفغانية من حق التعلّم في المؤسسات التعليمية، والتراجع عن قرارها بمنع المرأة من ذلك، مشيرة إلى أن منع المرأة من التعلّم لا يجوز في شريعة الإسلام. وكذلك بيان شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، الذي قال فيه إنَّ «منعَ الفتيات الأفغانيَّات من التعليم الجامعي قرارٌ يتناقض والشريعة الإسلامية، ويصدمُ دعوتَها الصريحة للرجال والنساء في أن يطلبوا العلم من المهدِ إلى اللَّحْدِ».

كما أشار الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه إلى إن قرار طالبان «يثير الفزع الشديد والقلق»، داعياً «سلطات كابل إلى التراجع عنه».

إن قرار حكومة طالبان يدل على وجود أزمة فكر. ومدى حاجة الفقه إلى تنقيح وتطوير وحاجتنا الماسة إلى فقه معاصر بقواعد وأصول حديثة. إن على كافة المؤسسات الدينية العمل على إيجاد فقه وأصولية معاصرة وبعث روح التسامح وحب الحياة وصناعة العمل والبناء ومعايير جودة الحياة.

السعودية بحكم رعايتها وخدمتها للحرمين الشريفين وقيادتها المستنيرة ودورها الرئيسي في العالم الإسلامية وأرض الرسالة ومهبط الوحي، الذي ينتظر العالم الإسلامي إليها أن تقوده نحو فقه معاصر وأصولية حديثة تواكب روح العصر وتحترم العقل وتخرج الأمة من الطائفية والكراهية وتوحد الأمة فكراً وتعيد اللحمة وتؤلف بين قلوبهم.

أزمة فكر يعيشه العالم الإسلامي، لا يصح أن تترك من قبل الهيئات الإسلامية ومراكز البحوث. أزمة فكر تحتاج إلى تطوير مؤسساتنا التعلمية، وتحتاج لتضافر الجهود لتفكيك ظلام فكر ساد قرون تفشى خلالها الفقر والجهل والمرض وتسلط علينا الأعداء.